مقالات فلسفية الشعور واللاشعور شعبة اداب وفلسفة
الشعور و اللاشعور
الموضوع الأول :
نص السؤال : هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟
* الطريقة الجدلية
المقدمة : يكاد يجمع علماء النفس في تعاريفهم للشعور على انه إدراك المرء لذاته أو هو حس الفكر لأحواله وأفعاله ' الحدس معرفة مباشرة ) وعليه يكون الشعور أساس المعرفة الذاتية . ومن ثمة فهل يمكن اعتماد الإنسان على شعوره وحده في إدراك كل ما يجول في حياته النفسية ؟ بمعنى آخر هل الشعور يصاحب كل ظواهر النفس ؟
التحليل :
القضية الشعور يشكل مجمل الحياة النفسية ( الشعور أساس الأحوال النفسية).
الحجة : يذهب بعض الفلاسفة أصحاب النظرية الكلاسيكية ( التقليدية ) إلى أن الحياة النفسية في مجملها تقوم على أساس الشعور وعلى رأس هؤلاء " ديكارت " الذي اتبع منهج الشك الذي يشمل كل شيء إلا البداية الأصلية غير المشروطة في المعرفة والتي حددها ديكارت بـ" أنا أفكر إذن أنا موجود "وهو ما يعرف بالكوجيتو الديكارتي حيث سلم بوجود التفكير و بما أن الإنسان لا ينقطع عن التفكير فهو يشعر بكل ما يحدث على مستوى النفس وبما أن الشعور حدس والحدس معرفة مباشرة لا تخطئ فهو ينقل للفكر كل ما تعيشه النفس ومن ثمة لا وجود لحياة نفسية لا شعورية لذلك يرى أن كل ما هو نفسي يرادف ما هو شعوري . وهناك آخرون ممن يرون ذلك أمثال " ستيكال " أو " ابن سينا " في الفكر الإسلامي حيث يقول : " الشعور بالذات لا يتوقف أبدا " وهكذا ساد الاعتقاد قديما أن الشعور أساس الحياة النفسية .
النقد : لكن المتأمل في حياة الإنسان يكشف أنه لا يعيش كل لحظات حياته في حالة واعية بل تصدر منه سلوكات لا يشعر بها إلا بعد فواتها أو تنبيهه إليها مثل زلات القلم فلتات اللسان ... و هذا يدل على وجود حياة لاشعورية ..
النقيض : الشعور لا يشكل مجمل الحياة النفسية عند الإنسان (اكتشاف اللاشعور)
الحجة : اللاشعور هو مجموعة الحوادث النفسية المكبوتة التي تؤثر في النفس دون الشعور بها ويعتبر فرويد مكتشف اللاشعور ولو أن بوادر هذا الاكتشاف كانت موجودة قبله مع " ليبتز " " 1646-1716 " الذي حاول إثبات فكرة اللاشعور بالأدلة العقلية حيث قال : " لدينا في كل لحظة عدد لا نهاية له من الادراكات التي لا تأمل فيها ولا نظر " ثم جاء دور الأطباء ومنهم " برنهايم " (1837-1919) و " شاركو " ( 1825-1913 ) من خلال معالجة مرض الهستيريا ( اضطرابات عقلية ونفسية دون وجود خلل عضوي ) و فكرة التنويم المغناطيسي الأمر الذي هدى " فرويد " وبعد وقوفه على تجارب " بروير " (1842-1925) إلى اكتشاف اللاشعور وهذا يعني أن هناك جانبا في حياتنا توجد فيه أسرار وعقد لا يسمع لها بالخروج في حالة شعور , و من ثمة كشف عن نظريته في التحليل النفسي القائمة على التداعي الحر .
النقد : لكن اللاشعور حتى و إن أصبح حقيقة لا تنكر فإن الحوادث النفسية لدى الإنسان تبقى تجري في مجال الشعور بالدرجة الأولى فالإنسان يعيش معظم لحظات حياته واعيا .
التركيب : الحياة النفسية تتشكل من الشعور و اللاشعور .
من خلال ما سبق لا يمكن إهمال الجانب الشعوري لدى الإنسان ولا يمكن إنكار دور اللاشعور بعد ما تم التدليل عليه , ومن ثمة فالحياة النفسية عند الإنسان أصبحت بجانبين شعورية و لاشعورية باعتبار أن الشعور أمر لا يمكن إنكار وجوده . ولكنه لا يصاحب جميع أفعال الإنسان و لا يوجهها دائما . ثم أن للدوافع اللاشعورية أثر بارز في توجيه سلوك الفرد .
الخاتمة :إن الإنسان كائن واعي بالدرجة الأولى . وعليه فإذا كان شعور الإنسان لا يشمل كل حياته النفسية فما يفلت من الشعور يمكن رده إلى اللاشعور فهو في نظر فرويد مركز الثقل في الحياة النفسية وبالتالي فالشعور يشكل جانبا من الحياة النفسية واللاشعور يشكل الجانب الآخر .
الموضوع الثاني :
نص السؤال : ما الدليل على وجود اللاشعور ؟
الطريقة الاستقصائية :
المقدمة : ( الإحاطة بموضوع اللاشعور)
إذا كان فرويد قد أقر فكرة وجود اللاشعور في حياة الإنسان بعد أن كانت الفكرة مستبعدة عند علماء ما قبل العصر الحديث وأكثر من ذلك أن فرويد نقل مركز النقل في الحياة النفسية من الشعور إلى الجهات المبهمة و اللامعقولة منها على حد تعبير " جوزيف نوتان " ( عالم نفساني معاصر ) و يقصد بذلك اللاشعور , فإذا كان اللاشعور يشكل جانبا من الحياة النفسية .
فما هو الدليل على أنه حقيقة لا تنكر ؟
التحليل :
بيان طبيعة اللاشعور : اللاشعور هو مجموع الأحوال النفسية الباطنية التي تؤثر على سلوك المرء وإن كانت غير مشعور بها ( جميل أصليا) ولقد تم تحديد معالم اللاشعور انطلاقا من اكتشافات (برنهايم) المتعلقة بالتنويم المغناطيسي والتي كشفت لفرويد أن العناصر الموجودة في حالة كمون ( لاشعور ) لا تبقى بالضرورة في حالة ركود دائما , وإنما قد تؤثر في السلوك دون الشعور بها وبذلك فكك فرويد الحياة النفسية إلى شعورية و لاشعورية , ووصل إلى أن اللاشعور لا يبقى دائما مكبوتا خارج الشعور , بل جزء من شخصية الفرد وعلى أساسه يمكن فهم هذه الشخصية .
إثبات وجدود اللاشعور : يعتبر فرويد مكتشف اللاشعور وقد استدل على وجود اللاشعور بمجموعة من الدلائل , تعرف حاليا بدلائل وجود اللاشعور منها :
فلتان اللسان : وهي عبارة عن ألفاظ تقلت من الإنسان عن غير قصد و تعبر عن رغبة مكبوتة لديه .
الأحلام : إشباع رغبات الإنسان التي لم يشبعها في الواقع فتجد في النوم فرصة مواتية لذلك .
الإبداع : ويأتي عن عمل اللاشعور بمعنى أن عناصر تخيلاتنا تتجمع في اللاشعور وتختزن الصور المبدعة في الذهن ثم تنبثق دفعة واحدة في شكل الهام وهناك دلائل أخرى مثل : زلات القلم , الهذيان , النسيان ...الخ .
قيمة اللاشعور : لقد جعل فرويد من اللاشعور مصدرا لنشاط الإنسان و فعاليته في مختلف المجالات , وبذلك فهو يحتل مكانه أهم من الشعور في حياة الإنسان ,لكن ذلك لا ينسجم مع طبيعة الإنسان العاقل , وعلى العموم فلاكتشاف وجود اللاشعور جوانب إيجابية حيث ألقى الضوء على كثير من أسباب السلوك كانت مجهولة , وكشف عن جانب لم يكن معروفا في النفس كما له جوانب سليبة كالمبالغة في تحديد دور اللاشعور وأثره في الحياة النفسية وعدم الاهتمام بالجانب الروحي ...
الخاتمة : ( بيان حقيقة اللاشعور )
إن وجود اللاشعور قائم على كثير من الأدلة . وهو يشير إلى منطقة من الحياة النفسية وهي المنطقة التي تجري فيها العمليات اللاشعورية , مثلما يشير الشعور إلى المنطقة التي تجري فيها العمليات النفسية الشعورية غير أن الأدلة المستمدة تحتاج إلى دعم عملي تجريبي وكمي ما دام الأمر يتعلق بنظرية علمية في علم يهدف إلى أن يكون موضوعيا وكميا مثل باقي العلوم الأخرى .